في الصّحيحينِ أنّ بني إسرائيل كانَت تسوسُها الأنبياء – يعني تقودُها الأنبياء – كلّما هلكَ نبيٌ بعثَ الله نبيًّا. ولمَا كان نبيّنا صلّى اللهُ عليه وسلّم خاتَم الأنبياء، وليس بعدهُ نبيّ؛ جعلَ الله عزّ وجلّ لهُ خُلفاء وورثة ، يقولُ النّبي عليه الصّلاة والسّلام – كما عندَ التّرمذيّ، وعلّقهُ البُخاريّ – " وإنّ الأنبياء لم يُورّثوا دينارًا ولا دِرهمًا وإنّما ورّثوا العلم، فمَن أخذهُ أخذَ بحظٍّ وافِر "( ) . فالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم جعلَ العُلماء هُم ورثةُ الأنبياء، وقدرُ العُلماء في الشّرع كبيرٌ، والنّصوص على فضلِ العُلماء، وعلى مَكانةِ العُلماء كثيرةٌ في الكِتاب، وفي السُّنّة. وقد ذكرَ ابنُ القيّم رحمه الله في كتابه " مِفتاح دار السّعادة " تفضيل العلم من أكثر من مئة وخمسين وجهًا! تفضيلُ العلم تفضيلُ أهله، تفضيلُ العلم وتفضيلُ العُلماء. وذكرَ وُجوهًا كثيرةً منها أنّ الله عزّ وجلّ استشهدَ بهمُ على أعظَم مَشهود، ((شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ ۚ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)) [آل عمران: 18]. فاستشهدَ الله عزّ وجلّ بهمُ على التّوحيد، قرَنَ شهادتهُ عزّ وجلّ بشهادة الملائكةِ وشهادةِ أهل العِلم، والله عزّ وجلّ قد أحالَ عليهمُ في السّؤال ((فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)) [النحل: 43]. المُراد بهمُ هُنا العُلماء، وهذا يدُلّ على أنّ العالِم لهُ مكانةٌ في الإسلام مكانة عَظيمة. ونفى الله عزّ وجلّ مُساواة أهل العلم بغيرهم، وقال: ((قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ)) [الزّمر: 9]. فليس العالِم مثل الجاهِل. " وفضلُ العالِم على العابِد كفضلِ القَمر على سائِر الكَواكِب "( )؛ كما جاء في الحديث.