وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
وأسأل الله العظيم أن يختار لك ما فيه خيرك وصلاحك ,أن يسدد رأيك ويرزقك الرّشد في القول والعمل . . .
أخي الكريم . .
حين شرع الله العبادات وفرض منها على خلقه وندب إلى بعضها فهو لم يشرعها على وجه من التعارض . . بل شرعها على وجه من التكامل بما يتحقق معها مصلحة العباد وتزكيتهم وتهذيبهم . . .
والزواج شريعة عظيمة من شرائع الإسلام ، وقد عظّم الله هذه الشريعة حتى جعلها من الآيات الدالة على وحدانيّـته وربوبيّـته .
وهو من سنن الأنبياء . .
وقد رغّب فيه النبي صلى الله عليه وسلم حتى قال لمن ترك الزواج تعبّدا وتنسّكاً : " ومن رغب عن سنتي فليس منّي " .
والنصوص في هذا متوافرة كثيرة . . في مكانة هذه الشريعة ومقصودها في الإسلام .
يبقى الآن : متى يقرر الشاب أن يتزوّج ؟!
معالم القرار تبدأ من حيث قوله : " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوّج .. " .
الاستطاعة .. النفسية والصحيّة والمادية والفكريّة والمسؤوليّة . .
وهذه الاستطاعة ( نسبيّة ) بمعنى ليس هناك حدّ معين نقول إذا وصل اليه الشاب فهذا يعني أنه مستطيع . .
لكن يمكن أن يُقال أنه لا يُراد بالاستطاعة أن يصل الانسان حدّ المثالية والكمال حتى يقرر الزواج ..
هذا جانب ..
الجانب الآخر : جانب وضوح الهدف .. لماذا تريد ان تتزوج ؟
هدفك وطموحك من الزواج ؟!
حين تكون هناك أهداف عالية فالأهداف تحفّزك للزواج . .
الأهداف البسيطة . . لا تعطيك دافع بقدر ما تعطيك ( إثارة ) !
لا يشترط للزواج أن يكون هناك تفرّغ للزواج ..!!
فإن الحياة لا تقف عند حدث واحد . .
الحياة هي مجموعة الاهتمامات والمسؤوليات . . وحين يفكر الانسان أنه لا يريد أن يتزوّج لأنه يخاف التقصير فهذه ( دعوى مثاليّة ) إذ اين نجد الانسان الذي لم يقصّر والذي لا يمكن أن يقصّر ؟!
التقصير قدر مكتوب . . وشيء وارد . .
وعندما نعترف بطبيعة التقصير وأن هذا هو حال ( البشر ) فإن هذا الاعتراف لا يعني .. ( الاستسلام ) للتقصير .. كما لا يعني ( الهروب ) .. لكنه يعني ( المدافعة ) ومجاهدة النفس على التحسين وان تكون أفضل في أداء حق نفسها وحقوق غيرها ..
ومن هنا تأتي المعونة .. " والذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبلنا "
فالمعونة لا تأتي بـ ( الهروب ) ولا بـ ( الاستسلام ) لكن بـ ( المدافعة ) والمجاهدة
وقد جاء في الأثر " المعونة على قدر المؤونة " .
أخي الكريم . . وعد الله المتزوجين بـ ( الغنى ) . .
والغنى لا يقتصر على الغنى المادي فحسب .. بل هو غنى نفسي وروحي وفكري وفي كل شيء " يغنهم الله من فضله والله واسع عليم " فتأمل قوله ( واسع عليم ) ..
يعني عليم أين هي حاجة العبد التي يحتاج معها إلى الغنى إذا تزوّج فيوسّع عليه فيها ويغنيه فيها بما يفتح عليه من فضله .
فالزواج إذن لا يعارض طلب العلم . .
الزواج لا يحبّط ولا يثبّط . .
بل الزواج ( سكن ) . . وأهم ما يحتاجه الانسان للإنجاز والابداع هو الشعور بـ ( السكن ) النفسي والاجتماعي . . الأمر الذي يساعد على الانجاز والتميّز ..
هناك الكثير والكثير ممن تعرفهم أنت ومنهم ربما من تعيش أنت معهم تجدهم مبدعين منجزين متميّزين .. ومع ذلك هم متزوجون ولديهم أبناء . .
أنت الآن عمرك ( 25 ) ولأن الزواج ليس محطة وصول يطرح فيها الانسان رحاله بل هو بداية لبناء حضارة وحياة جديدة وصناعة جيل ..
دعني أتأمل معك هذه المعادلة لتقف على أهميّة أن يتزوّج الشاب متى ما وجد في نفسه الاستطاعة . ..
عمرك الآن ( 25 ) .. ودعني أفترض معك أنك تزوّجت في هذا العمر . .
كم سيكون عمرك حين يبلغ ابنك سن ( البلوغ ) السن الذي يحتاج فيه إلى رعايتك واهتمامك ، وإلى جهد مضاعف للتربية والاهتمام . . !
فكم سيكون عمرك حين يبلغ الابن الثالث بالنسبة لك عمر البلوغ . . !!
نعم الهداية والتوفيق بيد الله ..
لكن هناك حسابات ماديّة تقرّب وتعيننا على اتخاذ الأسباب المناسبة لكل أمر . .
من المهم أن تدرك .. يقيناً .. أن الحياة الزوجية ليست حياة رفاهية !
هي حياة كفاح ..
حياة صبر . .
حياة عمل وبناء . .
لكنه كفاح ممتع . .
وصبر لطيف . .
وعمل تستعذب معه الانجاز والابداع ..
أعني بهذا الكلام .. أن لا تبني في ذهنك ومخيّلتك أن الزواج قصر من الرفاهية والراحة ..
لأنه وبكل بساطة لا زلت أنا وأنت نعيش في الدنيا .. هذه الحياة التي جبلت على التعب والمشقة ..
كما قال الأول :
جُبلت على كدر وأنت تريدها : : صفواً من الأقذاء والأكدار
ومكلّف الأيام فوق طباعها : : متطلّب في الماء جذوة نار
إلاّ أن قمة المتعة في هذه العلاقة هو العبودية لله تعالى بهذه العبادة ( عبادة الزواج ) هذاالشعور هو الذي يمنح الانسان المتعة والاطمئنان والسكن في خضم هذا التعب والكدح .
وفقك الله واسعدك واختار لك ما فيه خيرك وصلاحك . .
والله يرعاك ؛ ؛ ؛